LOGIN
المحاضرات
alshirazi.org
"سلسلة توجيهات سماحة المرجع الشيرازي دام ظله"
نبراس المعرفة: الهدف من خلق الإنسان
رمز 51963
نسخة للطبع استنساخ الخبر رابط قصير ‏ 17 ذوالقعدة الحرام 1446 - 15 مايو 2025

سلسلة توجيهات المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيّد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، الموسومة بـ(نبراس المعرفة)، التي يتطرّق فيها سماحته إلى المواضيع الدينية والعقائدية والتاريخية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية، فضلاً عن جوانب من السيرة الوضّاءة للمعصومين الأربعة عشر صلوات الله عليهم وعظمة الإسلام وجماله، وأنّ به تسعد البشرية في الدارين، وغيرها.

بسم الله الرحمن الرحيم

الاختبار في النعم والاختبار في المحن :

قال الله تعالى في القران الحكيم (ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِن بَعْدِهِمْ لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) 1 معنى الاية الشريفة ان الله تعالى يقول ان الاجيال السابقة ذهبوا وماتوا وانتم الجيل الحاضر جعلناكم خلفاء وخلائف من بعد اولئك في نفس الارض الذي كانوا يعيشون فيها اولئك ذهبوا للاخرة وانتم تسكنون تلك الارض، تلك الطاقات وتلك القدرات وتلك الامكانات التي كانت تحت تصرف الاجيال السابقة وبيد الاجيال السابقة اصبحت بين ايديكم وتحت قدرتكم فهذا التبديل وهذا النقل من اولئك إليكم الهدف واحد هو الاختبار والامتحان، (ثم جعلناكم) انتم هذا الجيل الموجود في هذا الزمان (خلائف في الارض) أي خلائف لأولئك الماضين فالاولاد والاحفاد يخلفون اباءهم واجدادهم والجيل الموجود يخلف الجيل السابق حيث ان الله تعالى يقول نحن (جعلناكم) هكذا، فأولئك ماتوا واخذناهم وذهبوا للاخرة وانتم جعلناكم بنفس الاماكن وبنفس الطاقات والقدرات التي كانت بيد اولئك الان صارت بأيديكم الهدف في هذا النقل لكل الطاقات والقدرات من اولئك اليكم الهدف منها (لننظر كيف تعملون) اولئك الذين ماتوا علمنا كيف عملوا في حياتهم الدنيا، تصرفاتهم وحسن استفادتهم وسوء استفادتهم، علمنا ذلك ونريد ان ننظر ماذا تعملون، النعم والقدرات كلها اختبار والمحن والمشكلات كلها اختبار ففي النعم بعض الناس يخرج من الامتحان بنجاح ولكن في المحن والمشكلات فلا، وبعضهم  في العكس في المحن والمشكلات يخرج بمن الامتحان والاختبار بنجاح واما في النعم يسيء الاستفادة من النعمة,وبعض في كليهما يخرج بنجاح وبعض في كليهما لايخرج بنحاح، فهذا يجب ان يظهر على الساحة  لكل البشر، للرجال وللنساء وللشباب وللكبار وللصغار وللحاكمين وللشعوب وللأثرياء وللفقراء وللعلماء وللجُهال  وللكل، فالمحن والمشكلات اختبار والنعم والقدرات اختبار ايضا.

المعصومون (عليهم السلام) استفادوا من النعم ومن المحن :

استعراض التاريخ يوقفنا على الالوف والالوف وعشرات الالوف من الامثلة لهذه الاختبارات، وفي طليعة الامثلة رسول الله وعترته الطاهرين (صلوات الله عليهم اجمعين) مع اعدائهم وظالميهم، الله تعالى انعم على رسوله وعترته الطاهرين (صلوات الله عليهم اجمعين) بأفضل النعم واحسن الاستفادة من النعم وابتلوا اشد المحن واستفادوا من المحن احسن استفادة بعكس ظالميهم أخذا" من المشركين في مكة المكرمة والى المنافقين في مكة المكرمة والمدينة المنورة وبالنسبة للعترة الطاهرة (صلوات الله عليهم) الى مختلف انواع الناس من المنافقين والكفار في طيلة حياة امير المؤمنين واولادهما الاطهار (صلوات الله عليهم) وهكذا بالنسبة الى ظالميهم من بني امية وبني العباس وغيرهم وهكذا في الغيبة الصغرى والى هذا اليوم بالنسبة للمؤمنين وغير المؤمنين فهذا كله اختبار.

عاقبة سوء الاستفادة من النعم :

في زمان واحد الله تعالى انعم على (بلعم بن باعورا) بأعظم النعمة التي كان يمكن ان ينعم انسان غير معصوم فأن الله تعالى اعطاه كما يقول القران الكريم (اياته) كما في الاية الكريمة (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا) 2 آياتنا جمع مضاف ظاهر في العموم، العموم بالمقدار المناسب لذلك شخص لو كل الايات التي لا تناسب بلعم بن باعورا لان هذا خلاف الحكمة فالله تعالى حكيم ولايصنع خلاف الحكمة فالله تعالى رفعه هذا المكان الرفيع والمكان الجليل ولكنه كما يقول القران الكريم اخلد الى النار واساء الاستفادة من النعمة الالهية العظيمة حتى وصل الى مرحلة  وصفه القران الكريم في الاية الكريمة (فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ)3 هذه السبة من القران الكريم بالنسبة الى شخص اتاه الله اياته ولكنه اساء الاستفادة من الايات الالهية واراد ان يدعو الى كليم الله موسى بن عمران ( عليه السلام) فسحب الله تعالى عنه ذلك سحب ما انعم عليه (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا) هو بأختياره انسلخ من تلك الايات بسوء استفادته من تلك الايات، السب ليس بنفسه وبما هو شيء ممقوت،السب في غير مورده شيء ممقوت، ولكن السب في غير مورده هذه فضيلة فعندما يمثل الله تعالى بلعم بن باعورا (كمثل الكلب) فأن هذه من تمام حكمة الله تعالى ولعل ما يستفاد من تمثيل الله تعالى بشخص عالم اساء الاستفادة من علمه كبلعم بن باعورا فأن هذه عين الحكمة ولعل مما يستفاد من ذلك ان العلم قد يسوق الانسان الى الرفعة كذلك ينزل الانسان الرفيع الى مراتب نازلة وعميقة في النزول كما ان المدح بنفسه ليس فضيلة فالمدح في مورد يستحق المدح هذه فضيله واما المدح في مورد لايستحق المدح فأن هذه رذيلة, فالسب والمدح هذان امران متعاكسان في الحكمة وفي خلاف الحكمة من الجانبين ومن الطرفين فالسب بنفسه ليس بنفيلة فهو لا فضيلة ولا رذيلة انما مورد السب يلاحظ فسب بلعم بن باعورا بتمثيلة بالكلب فهذا عين الفضيلة لان القران الكريم لاينطق إلا الفضيلة، نعم السب في غير مورده في المورد غير المناسب هذه رذيلة.

قيمة الاستفادة من المحن في ايام المحن :

في نفس زمن ما كانت زوجة فرعون تعيش اقسى المحن واقسى المشكلات واقسى عيشة ولكنها من المحن استفادت خير استفادة حتى ذكرها الله تعالى بذكر عظيم (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آَمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ)4 بمعنى للمؤمنين والمؤمنات (الذين امنوا) هي صيغة جمع للمذكر وصيغة جمع للمؤنث والمذكر معا" فاذا كان هناك مجموعة رجال فـ(الذين ) يطلق عليهم وكذلك اذا كان هناك رجال ونساء فـ (الذين) تطلق عليهم ايضا، فالله تعالى لايخص النساء ان يتعلمنّ من زوجة فرعون بل يقول تعالى (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آَمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ) فشخص كأمرأة فرعون عاشت اقسى الدكتاتوريات وعاشت اقسى المظالم وعاشت اقسى المحن مع ذلك استفادت احسن استفادة من المحن فأرتفعت الى هذا المرتفع الرفيع حتى يصفها الله تعالى بهذا الوصف الرفيع (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آَمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ).

على الانسان ان يستفيد من النعم ومن المحن :

المهم ان كل انسان انا وأنتم، امرأة  ورجل او زوجان مع بعض او عائلة وادة او مدينة واحدة او قرية واحدة او مجتمع واحد او لسان واحد او لون واحد فكل انسان وفي أي مجال او مقام يكون فقر كان او غني او جاهل او عالم او مثقف او غير مثقف او موظف او عامل، فكل انسان يتعرض في الدنيا لمحن ومشكلات، كلاً في مستواه ويتعرض في الدنيا للنعم والقدرات المهم في هذا كيف يستفيد من النعم وكيف يستفيد من المحن في ايام المحن فقد يكون الانسان في النعمة والمحنة يستفيد، فينبغي ان نكون هكذا ونركّز على هذا فالقران الكريم يقول: (لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) مع النعمة كيف تعملون ومع المحنة كيف تعملون وفي المشكلات كيف تتصرفون وفي الطاقات والقدرات المهيئة لكم كيف تتصرفون، كل الهدف الالهي من خلق كل انسان هو هذا (لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) فلنجعل هذا نصب اعيننا ولا نغفل عنه فإذا وقعت النعمة يجب ان لاتوجب الغرور لنا وسوء الاستفادة منها، واذا وقعنا في مشكلة ومحنة يجب ان لاتسبب لنا هذه المحنة الابتعاد عن الله تعالى بسسب ضغط المحن علينا .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1.سورة يونس الاية 14

2. سورة الأعراف 175

3. سورة الاعراف الاية 176

4.سورة التحريم الاية 11