LOGIN
المحاضرات
alshirazi.org
"سلسلة توجيهات سماحة المرجع الشيرازي دام ظله"
نبراس المعرفة: الغرور
رمز 52614
نسخة للطبع استنساخ الخبر رابط قصير ‏ 22 ذوالحجّة الحرام 1446 - 19 يونيو 2025

سلسلة توجيهات المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيّد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، الموسومة بـ(نبراس المعرفة)، التي يتطرّق فيها سماحته إلى المواضيع الدينية والعقائدية والتاريخية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية، فضلاً عن جوانب من السيرة الوضّاءة للمعصومين الأربعة عشر صلوات الله عليهم وعظمة الإسلام وجماله، وأنّ به تسعد البشرية في الدارين، وغيرها.

بسم الله الرحمن الرحيم

الغرور اوله غفلة وآخره خسران :

قال الله تعالى في القرآن الحكيم (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ)1.

 الغرور حالة نفسية تجعل الانسان يعتمد على ما عنده من طاقة ومن قدرة ومن امكانات ويغفل عن ان الطاقة والقدرة والامكانات من الممكن ان تتغير اليوم او غداً، هذه الغفلة عن امكان تغير الامكانات يكون الغرور ملازم لها او ملازمة للغرور، والغرور خسارة في الدنيا والآخرة والمغرور حتى لو كان من اهل الدنيا يخسر دنياه ولو كان من اهل الآخرة فإنّه يخسر الآخرة، والقرآن الكريم في آيات عديدة أكد على هذا المعنى، فلا المسلمين والمؤمنين فقط بل حذّر البشر وحذر الناس جميعاً من الغرور. والآية الكريمة التي تلوتها التي في مفتتحها الخطاب للناس (يا ايها الناس) يقول الله تعالى يخاطب جميع البشر (فلا تغرنكم الحياة الدنيا) فالحياة الدنيا بمعنى الشهوات ويعني دنيا كل انسان، فكل انسان يعيش في هذ الحياة التي هي حياة دانية ودنية في نفس الوقت، فالشهوات تبعث على الغرور ولكن الانسان بعقله وتأمّله وتفكّره يحاول ان يلقّن نفسه حتى الشهوات لا توجب الغرور له، والغرور حيث يقول الله تعالى (ولايغرنكم بالله الغرور) بمعنى الشيطان لأنه من مصائده الغرور وأنه يغر الناس ..

الفرق بين الاعتماد على النفس والغرور بها:

الإعتماد على النفس شيء والاغترار بالنفس شيء آخر، فالاعتماد على النفس فضيلة مقابل ان الانسان يكون ضعيفاً بالنسبة الى الامكانات المتواجدة عنده فلا يستفيد منها، فضعف النفس مقابل الغرور ذاك ايضاً غير صحيح، والصحيح ان يكون الانسان معتمد على نفسه غير مغرور وغير مغتر بهذه النفس ..

موجبات الغرور :

 الشباب مما يوجب الغرور للانسان لأن الشباب مبعث قوة ومبعث قدرة ومبعث طاقة ومبعث امكانات والمال يوجب الغرور للانسان لأن المال طاقة وقدرة وامكانات والعلم يوجب الغرور للانسان. فالإنسان الذي له علم وبمقدار علمه مستغني عن الآخرين فهذه الحالة النفسية تنطبق مع العـلم فهذا العلم بدلاً ان يكون مفيداً ومنجياً للعالم يكون مضراً ومهلكاً له بسبب اغتراره بعلمه، فالرئاسة والحكم والحكومة، طاقة وامكانات وقدرة وهذه توجب الغرور للانسان، والجمال يوجب الغرور للإنسان. فكل شيء يوجب القدرة والامكانات للانسان فهو يوجب الغرور للانسان، والانسان اذا اغتر وتصور ان هذه الطاقة والقدرة والامكانات باقية له الى الابد او الى آخر العمر او فترة ما من الزمن فهذه الحالة توجب السقوط للانسان ..

المغرورون لايوفّقون :

 العلماء المغرورون لا يوفّقون، والأثرياء المغرورون لا يوفّقون والشباب المغرورون لا يوفّقون واصحاب الجمال المغرورون لا يوفقون، فالغرور يوجب السقوط للانسان، ويقول الله تعالى في آيات عديدة وفي الآية المذكورة (فلا تغرنّكم الحياة الدنيا) فالانسان في الحياة الدنيا في أي مجال له قدرة وطاقة والدنيا في ذلك المجال توجب الغرور له حتى ينتهي الى السقوط وينتهي الى سلب الموفقية عنه، هذا من داخل الانسان، ومن الخارج الشيطان فالشيطان يوسوس ويوسوس في نفس الانسان حتى يغتر الانسان بما منحه الله تعالى فبدلاً ان يستفيد مما منحه الله فيكون ما ممنحه الله وبالاً عليه وموجباً لسقوطه. والتاريخ مليئ بالقصص وامثالها، ففرعون ما صار فرعون الاّ بالغرور وشدّاد ونمرود ما صارا الاّ بالغرور ومعاوية بالغرور صار معاوية وهارون بالغرور صار هارون والمتوكل بالغرور صار المتوكل والحكام الظالمون بالغرور صاروا ظالمين واصحاب الاموال الذين صارت اموالهم وبالاً عليهم في الدنيا والآخرة بالغرور صاروا هكذا، وهكذا الشباب الذين اغتروا بشبابهم بدلاً ان يكون شبابهم نافعاً لهم فكان مضراً لهم في الدنيا والآخرة وجرّهم في الدنيا  الى ويلات وفي الآخرة الى عذاب أليم (والعياذ بالله) ..

من حكم التأريخ في الاغترار بالنفس:

يذكرون في المثل ان سلحفاة مع ارنب قررا المسابقة والمعروف ان السلحفاة لا تستطيع السير بسرعة والارنب يستطيع السير بسرعة، فقرّرا المسابقة على الوصول الى شجرة معينة، وبدأت السلحفاة تسير ببطئ لأنها لا تستطيع السير بسرعة فصارت تسير هويناً هويناً وببطئ، ولكن الارنب لانه يستطيع ان يسرع في المشي فهذه استطاعته على السرعة في المشي جعلته مغروراً واخذ يلعب ولا يسير مع السلحفاة لأنّه فكّر انّه خلال لحظات ومهما تقدّمت السلحفاة فإنه بلحظات يسبقها وهكذا كان الارنب مشغولاً باللعب ومرة التفت فأذا بالسلحفاة فازت ووصلت الى الشجرة المعيّنة والارنب مشغولاً باللعب. فغرور الارنب من انه يستطيع ان يسبق السلحفاة مهما تقدّمت عليه، هذا الغرور اغفله ان يسبق السلحفاة بالرغم من أنّه كان بستطيع بلحظات ان يسبقها، وهذا الحيوان البطيء بمواصلته السير وعدم الاغترار قد وصل والحيوان السريع الارنب برغم سرعته ولكن بغروره لم يصل.

كذلك نقلوا ان احد ابطال المصارعة تصارع مع بطل وصرعه ومع بطل ثاني وصرعه ومع بطل ثالث وصرعه وكلما تصارع مع بعض الأبطال صرعهم فأغتر فرفع طرفه الى السماء وقال متبختراً مغترّاً: الهي ابطال الارض انتهوا وقد صرعتهم فأبعث لي بطلاً من ابطالك من السماء لأرى هل يصرعني ام اصرعه، والله تعالى ارحم الراحمين بعباده وغالباً لا يعتني بالخطابات من العبيد المغرورين ولكن الله تعالى احياناً يختبر هذا العبد ليري للآخرين ان نتيجة الغرور ماذا تكون، فلما هذا الرجل البطل الذي صرع لابطال واغتر ببطولته وقدرته البدنية في صرع الابطال خاطب الله تعالى بذلك خطاب، سلّط الله تعالى عليه مرض الحمى واشتدّت عليه الحمى واشتدّت حتى صار لا يقوى على تحريك بدنه وحتى اصبح يفتح جفنيه بجهد ويغلقهما بجهد، ففي هذه الحالة كان لايقوى على تحريك بدنه من شدّة الحمى، فشعر ان اصبع قدمه تألم ففتح عينه واذا بجرذ أخذ يقرض بأسنانه اصبع قدمه وهذا الحيوان الذي هو كثير الخوف تصوّر ان هذا الرجل ميت، وأراد الرجل ان يسحب قدمه ولكنه لم يستطع من شدة الضعف ولو انه سحب قدمه لخاف الجرذ وهرب لكنه لم يستطع فأراد ان يحرّك يده فلم يقوى على ذلك، فأراد ان يصيح فلم يكن عنده احداً في تلك اللحظة. فالله تعالى بالجرذ ارسل رسالة معناها ان الانسان المغتر وهو بطل ويصرع الابطال هذا يعجز خلال حمى يبتلى بها عن ان يصرف حيوان يخاف كثيراً من أي حركة او من أي صوت وهذا نتيجة الغرور، وهذا الخطاب للناس وللبشر كلهم.

لاتغتروا فالغرور خسارة الدنيا والاخرة :

 ايها الشباب لا تغتروا بشبابكم وايها المثرون لا تغتروا بأموالكم وايها الحكام لا تغتروا بحكوماتكم، وايها العلماء لا تغتروا بعلمكم واصحاب الجمال من الرجال والنساء لا تغتروا بجمالكم فإنّ الغرور يجرّ الانسان الى خسارته دنياه والى خسارته آخرته.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصادر :

1.سورة فاطر: الآية 5.