LOGIN
المحاضرات
alshirazi.org
"سلسلة توجيهات سماحة المرجع الشيرازي دام ظله"
نبراس المعرفة: الهدف الحسيني الأسنى
رمز 53006
نسخة للطبع استنساخ الخبر رابط قصير ‏ 14 محرّم الحرام 1447 - 10 يوليو 2025

سلسلة توجيهات المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيّد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، الموسومة بـ(نبراس المعرفة)، التي يتطرّق فيها سماحته إلى المواضيع الدينية والعقائدية والتاريخية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية، فضلاً عن جوانب من السيرة الوضّاءة للمعصومين الأربعة عشر صلوات الله عليهم وعظمة الإسلام وجماله، وأنّ به تسعد البشرية في الدارين، وغيرها.

بسم الله الرحمن الرحيم

جاء في الوصية التي كتبها مولانا الإمام الحسين صلوات الله عليه، جملة عظيمة، كلّها دروس للتاريخ وللمجتمع الإسلامي وللمجتمع العالمي. فقد قال صلوات الله عليه: (أُرِيدُ أَنْ آمُرَ بِالْمَعْرُوفِ وَأَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ وَأَسِيرَ بِسِيرَةِ جَدِّي وَأَبِي‏ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عليه)(1).

الهدف الأسمى الأسنى

إنّ الهدف الأسمى والأسنى للإمام الحسين صلوات الله عليه من قيامه ضدّ يزيد بن معاوية، أن يأمر الناس بالمعروف وينهاهم عن المنكر، ويسير بسيرة المعصومين الذين حكما، أي سيرة رسول الله وسيرة أمير المؤمنين صلوات الله عليهما وآلهما. فيقول الإمام الحسين صلوات الله عليه بأنّه يريد أن يحيي تلك السيرتين، وأن يكون عمله وسيرته ومنهجه في التعامل، هو منهج  رسول الله ومنهج أمير المؤمنين صلوات الله عليهما وآلهما.

عندما نستعرض تاريخ الإمام الحسين صلوات الله عليه نراه تاريخاً مطابقاً تماماً، بلا زيادة ولا نقيصة، مع تاريخ رسول الله وتاريخ أمير المؤمنين صلوات الله عليهما وآلهما، في شتى المجالات. ولذا أدعو المسلمين أولاً، وأدعو المجتمع الدولي ثانياً، خصوصاً المثقّفين والذين يحبّون للمجتمع البشري أن يصعد في السعادة ويخطو خطوات كبيرة وكثيرة، أدعوهم جميعاً إلى دراسة السير الثلاث لرسول الله وأمير المؤمنين والإمام الحسين صلوات الله عليهم وآلهم. وفي المقابل دراسة أمثال معاوية ويزيد ومروان وآل مروان، حتى يرى العالم ماذا خسر عندما استشهد الإمام الحسين صلوات الله عليه، وما هي الخسارة العظيمة جدّاً التي لحقت بالبشر بحكومة يزيد بن معاوية.

سِيَر النور

لندرس بعض الجوانب من سيرة رسول الله وسيرة أمير المؤمنين وسيرة الإمام الحسين صلوات الله عليهم وآلهم، في المجال الشخصي، وفي المجال الاقتصادي، وفي المجال السياسي، وسيرتهم في المجال الاجتماعي، وفي كل المجالات. ونبدأ بالسيرة الشخصية للإمام الحسين صلوات الله عليه موافقة لسيرة جدّه وأبيه صلوات الله عليهما وآلهما. فإذا جمعنا السيرة الشخصية لرسول الله وأمير المؤمنين والإمام الحسين صلوات الله عليهم وآلهم فقط، من أطراف التواريخ، لتشكّلت لنا موسوعة ضخمة ومفيدة للعالم أجمع. وأذكر جزءاً من ذلك نموذجاً.

كان رسول الله صلى الله عليه وآله يجوع ويشبع غيره، وكان يقترض ليؤدّي قرض غيره وحتى لا يبقى غيره محتاجاً. ونماذج كثيرة أخرى، حتى أنّه صلى الله عليه وآله بعد عشر سنوات من الحكومة ورئاستها، استشهد وهو صلى الله عليه وآله مديوناً. وقد تواتر عنه صلى الله عليه وآله وبأسانيد عديدة أنّه قال: (ياعلي أنت قاضي دَيني). فهكذا يستشهد رئيس حكومة، ونبي مرسل من عند الله سبحانه وتعالى، وهو أشرف الأنبياء، وهو مديون. وهذا ما لا نجده في غير المعصومين صلوات الله عليهم بالتاريخ، إلاّ الذين اتّبعوا المعصومين صلوات الله عليهم. وقد رأينا وقرأنا في تواريخ العديد من مراجع التقليد العظام، من علماء الإسلام، الذين كانوا يتبعون رسول الله وأمير المؤمنين صلوات الله عليهما وآلهما في ذلك. ولكن هل نجد في التاريخ حاكماً يموت وهو مديوناً؟

القاسمون بالسويّة

كما لم يخلّف رسول الله صلى الله عليه وآله قصوراً ولا أموالاً ولا ذهباً ولا فضّة. فهو صلى الله عليه وآله لم يستدن ويخلّف، وإنّما استادن واقترض لغيره، وأدّى بذلك ديون غيره. وهكذا كان الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه، حيث كان يوزّع كل ما يأتيه في أيّام حكومته من الأموال على المحتاجين، ويوفّر لهم كل الحاجات. وعندما كان يفيض شيئاً لا يأخذ منه حتى درهم واحد، وإنّما كان يوزّعه على سائر المسلمين، غنيّهم وفقيرهم، وبمستوى واحد. حتى أنّه ذكروا في التاريخ، ذات مرّة فاض وزاد في بيت مال المسلمين بعد التغطية لكل المحتاجين في سائر الاحتياجات كالسكن والعلاج وغيرها، فوزّع الإمام الفائض على الجميع، فأخذ هو صلوات الله عليه ثلاثة دنانير، وأعطى لقنبر مولاه ثلاثة دنانير، وأعطى لكل شخص ثلاثة دنانير أيضاً، من غنيّ وفقير. فهو صلوات الله عليه القاسم بالسويّة كما كان رسول الله صلى الله عليه وآله. واستشهد أمير المؤمنين صلوات الله عليه وكان مديوناً أيضاً، ولم يخلّف ذهباً ولا فضّة، ولم يخلّف دوراً ولا قصوراً، ولم يخلّف إلاّ ما يخلّفه الطبقة الضعيفة والفقيرة، ممن تحت حكومته صلوات الله عليه في ذلك اليوم وفي ذلك الزمان.

بلى، إنّ الإمام الحسين صلوات الله عليه، كان يريد أن يحيي السيرة الشخصية لرسول الله وأمير المؤمنين صلوات الله عليهما وآلهما. وقد ذكر المؤرّخون، وورد في التاريخ، بأنّه استشهد الإمام الحسين صلوات الله عليه يوم عاشوراء، ولم يخلّف ذهباً ولا فضّة ولا دوراً ولا أموالاً، بل وكان مديوناً، فعندما لم يك عنده صلوات الله عليه شيئاً من الأموال ولم يملك شيئاً منها، كان يقترض ويغطّي الحاجات للناس وللمحتاجين.

أما عن معاوية وسيرته فقد ذكروا أنّه لما مات خلّف وخلّف من قصور ودور وأثاث وذهب وفضّة تقدّر بمئات الملايين. وحتى الذين يوالون معاوية ذكروا في التاريخ أنّه لو يتم جمع ما خلّفه معاوية ويزيد وأمثالهما لصار موسوعة. وهكذا خلّف ابنه يزيد لما مات، من الدور والقصور والأموال والأثاث والذهب والفضّة والحلل والحلي ما يقدّر بمئات الملايين.

أمران مهمّان

إذن، أراد الإمام الحسين صلوات الله عليه أن يحيي سيرة رسول الله وسيرة أمير المؤمنين صلوات الله عليهما وآلهما، وأن يعمل شخصياً ويطبّق سيرتهما. ولذا نحن ندعوا العالم إلى أمرين، وخصوصاً المسلمين وبالأخص الشباب المثقّف المؤمن، من بنين وبنات:

الأول: أن يقرؤوا السير الثلاث للنبي وأمير المؤمنين والإمام الحسين صلوات الله عليهم وآلهم، ويجمعوها ويتعلّموا منها.

الثاني: أن يعلنوا تلك السير للعالم اليوم، رغم الهضبات المختلفة الموجودة في شتى العالم، من المشاكل الكثيرة، وإلى اتّخاذ تلك السير الثلاث، وأن يطلبوا من الحكّام بالتعلّم من تلك السير وتطبيقها على أنفسهم، سواء الحكّام في البلاد الإسلامية وغير الإسلامية، وفي كل مجال، وبالذات في المجال الشخصي.

أسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفّق الجميع لذلك. وصلّى الله على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين.

ـــــــــــــــــــــ

(1)بحار الأنوار للعلاّمة المجلسي: الجزء ٤٤، الصفحة ٣٢٩.

(2)المصدر نفسه: الجزء ٣٨، الصفحة ١١١.