LOGIN
المحاضرات
alshirazi.org
"سماحة المرجع الشيرازي دام ظله في كلمته بمناسبة شهر محرّم الحرام 1447 للهجرة يبيّن:"
الأبعاد العالمية لرسالة الإمام الحسين عليه السلام ومكانته الخاصّة في نظام التكوين والتشريع
رمز 53200
نسخة للطبع استنساخ الخبر رابط قصير ‏ 25 محرّم الحرام 1447 - 21 يوليو 2025

تقرير الكلمة القيّمة للمرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، في تجمّع المبلّغين بمناسبة قرب حلول شهر محرّم الحرام ١٤٤٧ للهجرة، ألقاها في مساء يوم الأربعاء ٢٨ من شهر ذي الحجّة الحرام ١٤٤٦ للهجرة (25/6/2025م).

تعريب: علاء الكاظمي

بسم الله الرحمن الرحيم

مع اقتراب أيام الحزن والعزاء الحسيني، أي شهر محرّم الحرام، أقدّم التعازي أولاً إلى المقام الرفيع والشامخ لصاحب الولاية الكبرى والإمامة العظمى الإلهية، مولانا بقية الله الأعظم عجّل الله تعالى فرجه الشريف، ثم إليكم أيّها الحاضرون في المجلس، وإلى جميع المؤمنين الذين يصلهم صوتي في كل نقطة من نقاط العالم.

التراث الحسيني

عندما عزم الإمام الحسين عليه السلام في شهر رجب على السفر من المدينة المنورة، وتوجّه إلى مكّة المكرّمة، ثم من هناك إلى كربلاء المقدّسة، ألقى خلال الطريق خطباً وكلمات عديدة، ومن جملتها، خطبته في صباح يوم عاشوراء، قبل بداية القتال.

في تلك اللحظات المليئة بالاضطراب، طلب الإمام الحسين عليه السلام دابته، فركبها، ثم نادى بصوت عالٍ وجهوري، بحيث سمعه جميع من كان حاضراً في الميدان. وقد ذكر في أقل الروايات أنّ عدد جيش العدو كان ثلاثين ألف رجل.

قال عليه السلام: (أيّها الناس، اسمعوا قولي ولا تعجلوا حتى أعظكم بما يحقّ لكم عليّ، وحتى أُقيم العذر عليكم).

خطاب عالمي

كان الخطاب المطوّل قبل أن يُستشهد أي أحد من الأصحاب أو بني هاشم في ساحة المعركة. وقد بدأ بالنداء: (أيها الناس)، وهي كلمة عميقة للغاية تدلّ على عموم البشر. فإنّ الكلمات الإلهية للإمام الحسين عليه السلام لم تكن موجّهة فقط إلى أعداء ذلك اليوم البالغ عددهم ثلاثين ألفاً، بل المخاطب بها جميع أفراد البشر في كل العصور.

اليوم، وقد مرّ ما يقارب أربعة عشر قرناً على تلك الفاجعة العظمى، هل وصلت الكلمات النورانية للإمام إلى أسماع كل البشر؟ فعدد سكان العالم اليوم يُقدّر بأكثر من ثمانية مليارات نسمة، فهل سمعوا كلام الإمام سيد الشهداء عليه السلام؟ والجواب واضح: لم يصل بعد.

مسؤولية إيصال الرسالة

سؤال يُطرح: من الذي يجب أن يوصل الرسالة العالمية للإمام الحسين عليه السلام إلى وعي البشر؟ هل الأعداء؟ أم أنصار وأصدقاء الإمام؟

إنّ المسؤولية، أي إيصال كلمات الإمام سيد الشهداء عليه السلام النورانية إلى الناس كافّة، هي واجب مطلق. وفي زمن وقوع حادثة عاشوراء، حين لم يبقَ أحد سوى الإمام، كان هذا الوجوب عينياً. أمّا اليوم، وبعد مضي القرون، فلا تزال هذه المهمة قائمة، ووجوبها باقٍ بقوته. وهذا الواجب من نوع الواجب الكفائي، أي إذا قام به جمع، يسقط عن الآخرين، وإذا لم يقم به أحد، يُؤاخذ الجميع على تركه؛ إلى أن تصل الرسالة الإلهية الحسينية إلى أرجاء العالم كافّة، وتتحقّق الآية الشريفة:

(فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُر)

المسؤولية العالمية

وسؤال آخر يُطرح: ما هي مقدّمات تحقّق الواجب المذكور؟ وعلى عاتق من وُضع هذا الوجوب؟ والجواب واضح ولا شكّ فيه: هذه المسؤولية تقع على عاتق الجميع؛ على الرجال والنساء، وعلى العالم والجاهل، وعلى التاجر والموظّف، وعلى العامل وربّ العمل، وعلى أهل السوق وأهل المحراب، وعلى العلماء ورجال الدين وأهل الجامعة، وعلى الجميع دون استثناء. فكل من يملك حظّاً أوفر من القدرة – سواء قدرة البيان، أو القلم، أو الإمكانات المالية أو الإدارية – فإنّ نصيبه من أداء هذا الواجب أعظم، لأنّ مقدّمات وجود هذه الرسالة، مثل أصل الواجب نفسه، واجبة عقلاً، إذ إنّ هذا الإيصال واجب مطلق، ومقدّمات تحقّق الواجب المطلق، تكون بحكم العقل واجبة كذلك.

عندما تبقى المسؤولية بلا مجيب

إنّ إيصال كلمات الإمام الحسين عليه السلام إلى العالم، هو اليوم واجب كفائي، لكن بما أنّ هذا الواجب لم يُؤدَّ بعد، ولم تصل هذه الرسالة القدسية إلى أسماع البشر كافّة، فإنّ من فيه الكفاية لم يتحقّق. ولذلك، فإنّ الواجب الكفائي قد تحوّل إلى واجب عيني.

إنّ الخطاب ذاته كرّره الإمام الحسين عليه السلام بتعبير (أيّها الناس) مراراً، في مواقف وخطب متعدّدة. ومن أراد دراسة تفصيلية لهذه الكلمات، يمكنه الرجوع إلى مصادر مثل (بحار الأنوار)، و(العوالم)، وغيرها من الكتب المفصّلة.

حقّ سماع الحقيقة

لكن هناك مسألة أخرى، أعمق وأكثر إثارة للتأمّل، وهي أنّ الإمام الحسين عليه السلام، في تلك اللحظات التي سبقت استشهاده، كان يخاطب أعداءً جاؤوا بقصد قتله، وكان عليه السلام على علم بأنّهم سيقتلونه، وقد حدث ذلك بالفعل. ومع ذلك، فقد خاطبهم عليه السلام، مع أنّ الخطاب موجّه في الحقيقة إلى عموم البشر، وصرّح بأنّ هذا من حقّهم عليه، أن يُبيّن لهم ما يجب أن يعلموه. فإذا كان أولئك الذين كانوا في مقام قتل الإمام عليه السلام، لهم حقّ سماع كلمة الحقّ على عاتق الإمام الحسين عليه السلام، أفليس للآخرين، ممن لا يحملون عداءً، حقّ علينا؟ ولا شكّ، إنّ هذا الحقّ موجود على الجميع.

ثلاثة محاور أساسية

لكل جاهل حقّ على العالِم، أن يُنقذه من ظلمات الجهل، ويتجلّى هذا الإيقاظ في ثلاثة محاور أساسية:

الأول: أصول العقائد: التوحيد، والنبوة، والعدل، والإمامة، والمعاد.

الثاني: الأحكام الإلزامية، التي لها نطاق واسع جدّاً. وقد ألّف المرحوم الشهيد الأول رضوان الله عليه، في باب الصلاة فقط، كتاباً باسم (الألفية)، ذكر فيه ألف حكم إلزامي للصلاة؛ من المقدّمات، والشروط، والأجزاء، والموانع، والقطع. وقد كتب الشهيد الثاني وغيرهم شروحاً عليه. فإذا كانت الصلاة بهذه السعة، فكم تكون أحكام الصوم، والحجّ، والوضوء، والغُسل، والتيمم، والمعاملات، والعقود، والإيقاعات؟ وتعلّم هذه الأحكام واجب على كل من هو عرضة للابتلاء العملي بها، وتعليمها للآخرين أيضًا واجب، إن كانوا في معرض الابتلاء.

الثالث: أخلاق أهل البيت عليهم السلام. في الطريق نفسه، أي من المدينة إلى مكّة، ومن مكّة إلى كربلاء، ومن ليلة عاشوراء حتى ظهر ذلك اليوم، ورد عن الإمام الحسين عليه السلام أكثر من ثلاثين خطاباً، تناول فيها مراراً العقائد، والأحكام الإلزامية، وأخلاق أهل البيت الطاهرة عليهم السلام.

لقد تجاوزت هذه المسؤولية اليوم نطاق الواجب الكفائي، ودخلت ضمن عداد الواجبات العينية، لأنّ "من فيه الكفاية" لم يتحقّق. وهذه الوظيفة، إلى جانب باقي الواجبات العينية، يجب عند التزاحم أن تُقاس بدقة: أيّها مقدّمة للأخرى؟ وما كان مقدّمة، فهو الأَوْلى.

العقائد الخمسة

بالنسبة لأصول العقائد، فإن نظرنا فقط إلى آثار العلّامة الجليل المجلسي رضوان الله عليه في كتابه الشريف (بحار الأنوار)، يتّضح أن من المجلّد الثالث إلى المجلّد الثالث والخمسين، أي واحد وخمسون مجلّداً متتالية، قد خُصّصت بالكامل لبيان العقائد الخمسة؛ وهي الأصول الخمسة: التوحيد، والعدل، والنبوّة، والإمامة، والمعاد. وهذه المجلّدات الإحدى والخمسون، تشتمل على أكثر من خمسين ألف حديث شريف، تُجسّد في نطاق واسعٍ كلمات المعصومين عليهم السلام في باب أصول الدين. وهذه المعارف الرفيعة، ليست في حدود المستحبّ، بل يجب إيصالها إلى العالم بكونها واجباً كفائياً، ويجب أن تُدوّي في آذان البشرية. ولأنّ من فيه الكفاية اليوم غير موجود، وهذه الرسائل لم تصل بعد إلى العالم، فقد تحوّل هذا الوجوب الكفائي إلى وجوب عيني. وعليه، فإنّ أداء هذه الوظيفة يقع على عاتقنا جميعاً.

الأحكام والأخلاق

في باب الأحكام، التي يتعامل معها علماء الدين بشكل مباشر أو غير مباشر، يتلألأ كتاب (وسائل الشيعة) كخزانة لا نهاية لها؛ هذا الكتاب الشريف يحتوي على أربعين ألف حديث، وجزء كبير من هذا المجموع مخصّص للأحكام، رغم أنّ قليلاً منه يتناول الأخلاق وجزء آخر العقائد، إلاّ أنّ عشرة آلاف حديث على الأقل مخصّصة صراحة للأحكام الإلزامية؛ سواء كانت هذه الأحكام الإلزامية من الدرجة الأولى أو الثانية.

أما في باب أخلاق أهل البيت عليهم السلام، فإن الاتّباع والاقتداء بالواجبات منها واجب، وبالنسبة لغير الواجبات، من المستحبّات، وحتى الأمور غير الملزمة، فالاقتداء والتخلّق بالأخلاق المحمّدية والعلوية والحسينية أمر مرغوب ومرجح. وهذه المجموعة الثمينة من العقائد والأحكام والأخلاق، هي حق واجب للجاهلين على العلماء؛ حقّ أولئك الذين غرقوا في ظلمات الجهل على عاتق أولئك الذين انتفعوا بنور العلم.

مسؤولية على الواعيين

هذا حق جهادي في أنحاء الدنيا؛ وهو إيصال العقائد إلى الجاهلين، وإيصال الأحكام الإلزامية إلى أولئك الذين لا يعلمون بها، وإيصال أخلاق أهل البيت عليهم السلام إلى الناس الضالين في صخب الدنيا. وهذا حقّ واجب على الجميع، رجلاً وامرأة، شابّاً وكبيراً، وحوزويّاً وجامعيّاً، وكل من يمتلك قدرة في اللغة أو القلم أو حتى المال. وهذا هو ما بيّنه مولانا الإمام الحسين عليه السلام، بقوله: (بِمَا يَحِقُّ لَكُمْ عَلَيَّ)، لأنّه في ذلك اليوم، لم يكن هناك أحد سوى الإمام الحسين عليه السلام ليؤدّي هذه المهمة؛ وإن كان شهداء أهل البيت عليهم السلام من بني هاشم أو من الصحابة الآخرين عليهم السلام قد قالوا كلاماً أو عبارات في كربلاء، فهي قليلة جدّاً. فقد كان العبء الأكبر لإيصال الحقيقة على عاتق الإمام عليه السلام نفسه؛ سواء في الخطبة التي ذكرناها، أو في غيرها من الخطب المتكرّرة من المدينة المنوّرة إلى مكّة المكرّمة، ومن مكّة إلى كربلاء، ومن ليلة عاشوراء حتى ظهر ذلك اليوم العظيم.

أقدس أرض

أما الجزء الثاني من كلامي فيتعلّق بأرض كربلاء ومكانتها. ومن النقاط العظيمة في عظمة كربلاء، هناك حديث عن الإمام الصادق عليه السلام حيث قال: (إنّها خير بقعة عرج رسول الله صلى الله عليه وآله منها وقت غيبته). وقد كان للنبي الكريم صلى الله عليه وآله عدّة معارج، أحدها هو الذي ذكره القرآن الكريم بقوله: (سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى). وفي الروايات، جاء جبرئيل من بيت أمّ هاني إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وأخذه معه إلى المسجد الأقصى، ومن هناك حدث المعراج السماوي.

في بعض الروايات، ذُكر مسجد الكوفة كمبدأ لأحد المعارج، وربما كان معراجاً مستقلاًّ أيضاً، ولكن في هذه الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام، ذُكر معراج آخر من أرض كربلاء، حيث أنّ النبي صلى الله عليه وآله حين كان في المدينة المنوّرة، جاء إلى كربلاء لأداء المعراج، ومن هناك عرج إلى السماء. وفي تلك الأيام، جعل رسول الله صلى الله عليه وآله أمير المؤمنين عليه السلام مكانه في المدينة لكي يقوم بالأعمال التي كان النبي يقوم بها، واستمرت الغيبة خمسة أيّام، وخلال تلك الأيام كان الإمام أمير المؤمنين عليه السلام يتحمّل مسؤولية مكانة رسول الله صلى الله عليه وآله في المدينة.

كربلاء فقط في الجنّة

في حديث آخر ورد في (كامل الزيارات) وبعض الروايات عنه في (بحار الأنوار) وغيرها من المصادر، جاء فيه: (أفضل أرض في الجنة)، أي إنّ أفضل أرض ستكون في الجنة هي أرض كربلاء. ويقول الحديث إنّه في يوم القيامة، حينما تنفصل الجنّة عن النار، ويُقاد أهل الجنّة إلى الجنّة، وأهل النار إلى النار، فإنّ القطعة الوحيدة من الأرض التي تدخل الجنّة من الكرة الأرضية هي أرض كربلاء. فلا أرض المدينة، ولا أرض الكعبة، ولا أرض النجف الأشرف، ولا غيرها من الأماكن المقدّسة تملك هذه المزية بأن تكون جزءاً من الجنة.

سرٌ كامن في كربلاء

مع أنّ الإمام الحسين عليه السلام قال يوم عاشوراء: (أربعة أفضل منّي: جدّي رسول الله صلى الله عليه وآله، وأبي أمير المؤمنين عليه السلام، وأمّي فاطمة الزهراء سلام الله عليها، وأخي الحسن عليه السلام) ولكن مع ذلك، فإنّ أرض البقيع التي هي مدفن بعض هؤلاء الكرام ليست من ضمن الجنة. فأرض المدينة، حيث مدفن النبي الكريم صلى الله عليه وآله والإمام الحسن المجتبى عليه السلام، لا تدخل الجنة، وأرض النجف الأشرف التي تحتضن مرقد أمير المؤمنين عليه السلام، لا تدخل الجنة، وحتى الأرض التي فيها قبر السيّدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها، مع طهارتها وعظمتها، لا تدخل الجنة، بينما أرض كربلاء، رغم أنّ صاحبها له مرتبة أقلّ منهم، لها منزلة عظيمة بحيث أنّها كلّها تدخل الجنة. وقد عبّر السيد بحر العلوم رضوان الله عليه عن هذه الحقيقة في شعره قائلاً:

(من حديث كربلاء والكعبة، يتّضح أنّ كربلاء أعلى مرتبة من الكعبة).

أصل وجذر الخلق الترابي

اعلموا أنّ كربلاء لم تصبح كربلاء إلاّ بسبب الإمام الحسين عليه السلام. وعظمة هذه الأرض كبيرة إلى حدّ أنّه جاء في روايات أهل البيت عليهم السلام أنّ الله تعالى قبل أن يخلق الإنسان، وحتى قبل أن يخلق المخلوقات، حينما بسط الأرض ومدّها من تحت الكعبة، اعتقدت الكعبة بفخر أنّها أصل خلق الأرض. وفي الرواية، خاطبت الكعبة سائر الأماكن المقدّسة قائلة إنّها جذر كل الأرض، وأنّ الأرض قد بُسطت منها. ولكن في حديث نوراني، ورد في (كامل الزيارات) وغيره من المصادر، خاطب الله عزّ وجلّ أرض الكعبة قائلاً: (لو لم أكن أريد خلق أرض كربلاء، لما خلقتك). أي أنّ وجود أرض الكعبة كان بسبب كربلاء. وبدأ خلق الأرض من تحت الكعبة لأنّ القدر الإلهي قضى بأن تكون كربلاء هي الأرض التي سيدفن فيها الإمام الحسين عليه السلام.

لذلك، اختار الله سبحانه وتعالى أرض الكعبة وجعل بيته فيها، لتكون تلك البقعة مقدّمة لخلق الأرض التي في النهاية سيرقد فيها الجسد الملطّخ بدماء سيّد الشهداء عليه السلام.

مظهر لصفات إلهية فريدة

اعلموا أنّه بالرغم من أنّ جدّ الإمام الحسين عليه السلام، النبي المصطفى صلى الله عليه وآله، وأبوه الكريم أمير المؤمنين عليه السلام، ووالدته السيّدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها، وأخوه الإمام الحسن المجتبى عليه السلام، كلّهم في مراتب القرب والفضل الإلهي أفضل من الإمام الحسين عليه السلام، إلاّ أنّ الله سبحانه وتعالى خصّص للإمام الحسين عليه السلام صفات وخصائص لم يخصّصها لاولئك الأربعة الكرام عليهم السلام، ولا حتى لنفسه سبحانه وتعالى. وفيما يلي بعض تلك الخصائص:

الشفاء في تربته الطاهرة

من بين تلك الخصائص ما ورد في الرواية: (الشفاء في تربته). فإذا تناول المريض مقداراً قليلاً من تربة الإمام الحسين عليه السلام بنيّة الشفاء، فذلك جائز ومستحبّ ويؤدّي إلى الشفاء. ولكن هل يجوز ذلك مع تربة الكعبة؟ فالأمر مختلف تماماً. فالإجماع بين المسلمين على أنّ أكل تراب الكعبة حرام. فإذا أخذ أحدهم قليلاً من تراب الكعبة أو قبر النبي صلى الله عليه وآله أو قبر أمير المؤمنين عليه السلام أو قبر الإمام الحسن عليه السلام أو قبر السيّدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها –الذي مكانه مجهول في الروايات ومخفي حتى ظهور الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه الشريف وحتى يوم القيامة – وأكل ذلك التراب طلباً للشفاء، فذلك حرام شرعاً وعليه التوبة والاستغفار. ولكن الله تعالى قد وضع الشفاء في تربة الإمام سيّد الشهداء عليه السلام، وليس في تربة أيٍ من تلك المقامات المقدّسة الأخرى.

استجابة الدعاء تحت قبّته

الخاصيّة الثانية المميّزة للإمام الحسين عليه السلام، التي ذُكرت مراراً، هي: (الإجابة تحت قُبَّته)، فيجب أن نعلم أنّه في الوقت الذي صدرت فيه هذه الرواية، لم يكن هناك قبّة في كربلاء على الإطلاق، وكانت كربلاء مجرّد قبر ترابي في قلب الصحراء، بدون غرفة أو مظلة، وبعد قرون عدّة، ذكر الشيخ المفيد رضوان الله عليه وغيرهم أنّهم بنوا في ذلك المكان غرفة صغيرة، التي تعرّضت لهجمات كثيرة وتمّ هدمها عدّة مرّات. ولذا، المقصود بـ«تحت قُبته» بحسب التعبير العربي هو «في كنف القبّة الشريفة»، أي في جوار القبر الشريف، وفي محيطه، وفي أي مكان قريب منه.

الدعاء في أماكن أخرى

في الكعبة المشرّفة وردت فضائل الاستجابة للدعاء، لكن لم يرد التعبير بـ«تحت القبّة». وبخصوص قبر النبي صلى الله عليه وآله هناك فضائل، لكنه لم يُذكر أنّ الاستجابة للدعاء هناك مؤكّدة بهذا الشكل. وكذلك الأمر بالنسبة لقبر أمير المؤمنين عليه السلام وقبور الأئمة الآخرين عليهم السلام، لم يردّ مثل ذاك التعبير الصريح. وقد وردت الخاصيّة بشدّة ووضوح عند الإمام الحسين عليه السلام فقط، وهي أنّ الدعاء بجوار قبره مستجاب.

شهادة على الفضيلة العظيمة

ورد في إحدى الروايات المشهورة، أنّ الإمام الهادي عليه السلام مرض في سامراء. فاستدعى شخص وقال له أن يذهب من سامراء إلى كربلاء ويدعو عند قبر الإمام الحسين عليه السلام من أجله. علماً بأنّ المسافة من سامراء إلى كربلاء، والمسافة من سامراء إلى النجف، متقاربة ولا تختلف كثيراً، ولكن الإمام الهادي عليه السلام لم يأمره أن يذهب إلى قبر أمير المؤمنين عليه السلام في النجف، بل أمره أن يذهب إلى قبر الإمام الحسين عليه السلام ويدعو هناك لشفائه، مع أنَّه لا شكّ بأنّ أمير المؤمنين عليه السلام أفضل من الإمام الحسين عليه السلام، إلاّ أنّ الإمام المعصوم عليه السلام لم يوجّه الدعاء إلى قبر أمير المؤمنين، بل إلى قبر الإمام الحسين عليهما السلام. وهذه شهادة قوية على التفوّق الخاص للإمام الحسين عليه السلام في مسألة استجابة الدعاء وخصائصه الإلهية الفريدة.

فضل زيارته يوم عرفة

لقد دعا الله عزّ وجل الناس إلى أداء الحجّ بواسطة النبي إبراهيم عليه السلام والنبي الكريم صلى الله عليه وآله، وهو حجٍّ فرضه الله على الناس إذا توفّرت لديهم القدرة، كما قال تعالى: (حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً). ويوم عرفة هو يوم الدعاء والاستغفار، وقد خصّه الله تعالى بمكانة فريدة وأطلق عليه اسم كربلاء، حيث إنّ زيارة الإمام الحسين عليه السلام في هذا اليوم لها فضل عظيم لا نظير له. وورد في الروايات أنّ الله عزّ وجلّ ينظر في يوم عرفة أولًا إلى زوّار الإمام الحسين عليه السلام، ويُبدي لهم لطفه وكرمه قبل أن ينظر إلى زوّار عرفة. علماً بأنّ الإمام الحسين عليه السلام، والنبي الأعظم صلى الله عليه وآله، وأمير المؤمنين عليه السلام، لكل منهم زيارات خاصّة بمناسباتهم، فهناك مناسبات أخرى مثل المبعث والميلاد للنبي صلى الله عليه وآله، لكنها لا تحظى بنفس الاهتمام الإلهي الذي تُولي زيارة الإمام الحسين عليه السلام في يوم عرفة. فلم أسمع أو أرى قط أنّ الله عزّ وجلّ نظر إلى زوّار النبي صلى الله عليه وآله برحمته قبل أن ينظر إلى زوّار أمير المؤمنين عليه السلام، أو نظر إلى زوّار أمير المؤمنين قبل أن ينظر إلى زوّار الإمام الحسين عليه السلام. وهذه الخصائص الفريدة قد خصّ الله بها الإمام الحسين عليه السلام، ولم يمنحها للأطهار الأربعة قبله الذين هم أفضل منه.

المظاهر السماوية في استشهاده

عندما نال الإمام الحسين عليه السلام شرف الشهادة، حدثت في السماء حادثتان عظيمتان: إحداهما: «أمطرت السماء دماً»، أي نزل مطر من الدماء. والأخرى: «أمطرت السماء رملاً»، أي نزل مطر من الرماد، فبدلاً من مطر الماء، نزل من السماء دم وخشب محترق على شكل رماد. ولكن من أين جاء هذا الرماد؟ الرماد هو بقايا الحطب المحترق، إذن هذا الرماد الذي نزل من السماء يدلّ على عظمة وشدة الشهادة. ولم يُسجّل أمر كهذا في استشهاد النبي صلى الله عليه وآله؛ لا مطر دم، ولا مطر رماد.

ولا في استشهاد أمير المؤمنين عليه السلام، ورغم انهيار كل أركان الهداية، فلم ترد أيّة رواية عن نزول دم أو رماد من السماء.

وكذلك استشهاد السيدة فاطمة عليها السلام مع مصابها العظيم، لم يُسجّل مثل ذاك الحدث، وهذه صفة فريدة وخاصّة بالإمام سيد الشهداء عليه السلام فقط.

تلوّن الأرض بالدم

تروى الروايات أنّه عندما استُشهد الإمام الحسين عليه السلام في يوم عاشوراء، كان كل ما يرفع من حجر في كربلاء، والنجف، والمدينة، ومكة، وحتى الشام، وكذلك كل قطعة من الأرض تُرفع منها، ينبثق منها دم طازج. فهل سُجل مثل هذا الأمر في استشهاد النبي الكريم صلى الله عليه وآله؟ كلا. وكذلك لم يُنقل شيء من هذا القبيل في استشهاد أمير المؤمنين عليه السلام، أو باستشهاد السيدة فاطمة عليها السلام، أو الإمام الحسن المجتبى عليه السلام، وهذه من خصائص الإمام الحسين عليه السلام الخاصّة، التي أنعم الله بها عليه.

خصائص جعلها الله تعالى

لقد منح الله عزّ وجلّ الإمام الحسين عليه السلام فضائل وامتيازات لم يمنحها لأيّ أحد آخر، حتى لأولئك الذين هم أعلى مرتبة منه. فزيارة الأربعين؛ علامة على الإيمان الحقّ، وزيارة الأربعين هي من علامات الإيمان القطعي. ولم يكن للنبي محمّد صلى الله عليه وآله زيارة أربعين، ولا توجد رواية في هذا الشأن. وكذلك لا توجد لأمير المؤمنين عليه السلام زيارة أربعين معروفة ومرتبطة برواية محدّدة، وإن كان بعض بلدان الشيعة يحيون أحياناً أوّل ذي القعدة كأربعين للإمام علي عليه السلام، وهو أمر لا يعتَبر مخالفاً، لكن في المصادر الشيعية المعتبرة لا يوجد تقليد أو رواية رسمية في هذا الخصوص. وكذلك لم تنقل زيارات أربعين للسيدة فاطمة عليها السلام والإمام الحسن المجتبى عليه السلام. ولكن بالنسبة للإمام الحسين عليه السلام، فليس فقط أنّ أول زيارة أربعين بعد استشهاده معروفة، بل إنّ أهل البيت عليهم السلام والشيعة يأتون إلى زيارة كربلاء كل عام، وهذه الزيارة مستمرة حتى يوم القيامة. فزيارة الأربعين علامة على الإيمان الحقيقي، ومن قام بهذه الزيارة فهو مؤمن، وهذا العمل ليس فقط مستحبّاً بل من علامات الإيمان.

زيارته في ليالي الجمعة

في السنة القمرية، هناك اثنان وخمسون ليلة جمعة، وأحياناً في السنة الشمسية تكون خمساً وخمسون أو أربع وخمسون ليلة جمعة. وهناك روايات كثيرة ومتواترة من كتب الأصول، مثل كامل الزيارات تفيد بأنّ الله عزّ وجلّ يزور الإمام الحسين عليه السلام كل ليلة جمعة: (والله يزوره في كل ليلة جمعة يهبط مع الملائكة إليه والأنبياء والأوصياء ومحمّد أفضل الأنبياء ونحن أفضل الأوصياء). ونعلم جميعاً أنّ الله ليس بجسم، فالمقصود بالزيارة هنا هو حضور رحمة الله وتوجّه عنايته الخاصة إلى قبر الإمام الحسين عليه السلام.

قال العلاّمة المجلسي رحمه الله إن عبارة (زيارة الله تعالى) هي كناية عن إنزال رحمات خاصّة على زائري الإمام عليه السلام، مثلما ينزل الله والملائكة بالصلوات على النبي الكريم صلى الله عليه وآله. فالصلوات هي رحمة وبركة الله، وحضور الله للزيارة يعني نظرته الرحيمة إلى ذلك المكان وإلى زائري الإمام عليه السلام.

كما توجد روايات أخرى تؤكّد أنّ الله تعالى مع الملائكة والأنبياء والأوصياء والأولياء يزورون الإمام الحسين عليه السلام في كل ليلة جمعة. ويزور النبي الأكرم صلى الله عليه وآله، جدّ الإمام الحسين عليه السلام، قبر الإمام كل ليلة جمعة. وقال الإمام الصادق عليه السلام إنّا الأئمة، أفضل الأوصياء، نأتي إلى زيارة الإمام الحسين عليه السلام كل ليلة جمعة أيضاً. وفي هذه الرواية سأل صفوان الجمّال الإمام الصادق عليه السلام: (جعلت فداك فنزوره في كل جمعة حتى ندرك زيارة الربّ؟) فأجابه الإمام: (نعم يا صفوان). فهل تذكر روايات مماثلة عن زيارة الله أو الملائكة أو الأنبياء أو الأولياء لقبر النبي صلى الله عليه وآله أو أمير المؤمنين عليه السلام أو السيّدة فاطمة عليها السلام أو الإمام الحسن عليه السلام في كل ليلة جمعة؟!

لم أعثر على مثل تلك الروايات.

نداء الجنّ في الصحراء والجبال

لقد خصّ الله عزّ وجلّ الإمام الحسين عليه السلام بفضل خاص، وهو أنّ الجنّ والعواري (أي المخلوقات الخفية في الأرض) في كل السهول (السهول والوديان) والأعوار (الجبال والمرتفعات) ينادون الإمام الحسين عليه السلام بالنّدب. وفي اللغة العربية، الندب لا يعني مجرّد البكاء، بل هو البكاء مع الصراخ والصياح، أي حالة شديدة جدّاً ومشتعلة من طلب المساعدة والتعبير عن الحزن والأسى. وقال الإمام الباقر عليه السلام للإمام الصادق عليه السلام إنّ بعد الإمام الحسين عليه السلام ولمدّة عشر سنوات في منى، كانت النساء (وهنّ النوّادب) يقمن بالندب والبكاء له. والنوادب جمع مؤنّث يُطلق على النساء اللواتي يندبن بصوت مرتفع وبمزيج من الأصوات.

ضوابط صوت النساء في الندب

علماً بأنّه صوت المرأة في الندب يجب أن لا يكون بطريقة تثير الشهوة، ففي هذه الحالة لا حرج في الندب للنساء، ولا على من يسمع صوتهنّ، وهذا أمر متّفق عليه بين فقهاء الإسلام، وإن كان له معارضون فهو نادر. وقد خاطب القرآن الكريم النساء قائلاً ألاّ يضعّفنّ أصواتهنّ لئلا تكون فتنة، أي لا يخفّفن الصوت بحيث يثير الشهوة، ولكن بشكل عام صوت المرأة ليس عورة بحدّ ذاته.

النقطة المدهشة جدّاً هي أنّ الجن في كل أنحاء الكرة الأرضية، في السهول والجبال، يندبون لإمام الحسين عليه السلام. ولم أرَ في الروايات ندبة للجنّ للنبي محمّد صلى الله عليه وآله أو لأمير المؤمنين عليه السلام أو للسيدة فاطمة عليها السلام أو الإمام الحسن عليه السلام، وهذه الفضيلة من الخصائص الفريدة لإمام الحسين عليه السلام أيضاً التي لم تُنقل حتى عن غيره من أعاظم أهل البيت عليهم السلام، رغم فضائلهم الكبيرة.

فضيلة دم الإمام وكرامته العجيبة

نقل العلاّمة المجلسي في كتاب (بحار الأنوار) ج ٤٥: وردت رواية عن أهل البيت عليهم السلام حول رجل يهودي كان له بنت مريضة مشلولة، وعمياء، وضعيفة جدّاً، وفي حالة احتضار. وذات يوم، طارت حمامة صغيرة وأجنحتها مغموسة بدم مطهّر من دم الإمام الحسين عليه السلام، وسقطت نقطة من هذا الدم على البنت، فشُفيت تماماً وتعافت. والأب حيث شهد هذه المعجزة، تحوّل مع خمسمئة من اليهود إلى الإسلام والشيعة. وروى المجلسي هذه القصة عن الإمام الصادق عليه السلام بحضور هشام، الذي غضب عند سماعها وطلب من الإمام الباقر عليه السلام ألاّ ينقلها، لكن الإمام الباقر عليه السلام رواها. فهل رُويت مثل هذه المعجزة عن دماء النبي صلى الله عليه وآله، أو أمير المؤمنين عليه السلام، أو فاطمة عليها السلام، أو الإمام الحسن عليه السلام؟ كلا، لم تُنقل مثل هذه الفضيلة أو الكرامة عن أي منهم. بلى، جعل الله عزّ وجلّ الإمام الحسين عليه السلام في المرتبة الخامسة من حيث الفضيلة بين البشر، لكنه خصّه بخصائص لا يمتلكها أيّ من المعصومين عليهم السلام الآخرين.

إحمرار السماء

كذلك ورد أنَّه عند وقت استشهاد الإمام الحسين عليه السلام، أصبحت جميع آفاق السماء وامتداداتها باللون الأحمر: (احمرّت آفاق السماء؛ بسبب استشهاده وأصبح أفق السماء عند الغروب والفجر أحمر). فإنّ الدم المقدّس للإمام الحسين عليه السلام قد غطى الأرض والسماء بأسرها. ولم ترد مثل هذه الرواية عن النبي صلى الله عليه وآله أو عن أمير المؤمنين عليه السلام. وفي اللحظة التي سُفك فيها دم الإمام الحسين عليه السلام على الأرض، لم ينزل الدم فقط من السماء، بل تحوّلت الزهور في شهر رمضان إلى رماد. وهذه الأحداث العظيمة خاصة باستشهاد الإمام الحسين عليه السلام وتستدعي التأمّل والتفكّر العميق.

المكانة الفريدة للإمام

لقد عقد الله عزّ وجلّ مع الإمام الحسين عليه السلام عهداً واتّفاقاً بحيث أنّه في كل ليلة جمعة، يتشرّف رسول الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام والسيّدة فاطمة عليها السلام والأئمة الأطهار عليهم السلام بزيارة قبره الشريف. وهذه الحقيقة تدلّ على مكانة ومرتبة خاصّة لا يختصّ بها إلاّ الإمام الحسين عليه السلام، وقد وردت في العديد من الروايات المؤكّدة.

مع إدراك هذه العظمة والمكانة الخاصّة للإمام الحسين عليه السلام، يجب علينا نحن الشيعة أن نكرّس أنفسنا أكثر حبّاً وخدمة واتّباعاً له عليه السلام، وأن نحرص على الزيارة والدعاء والتوسّل به عليه السلام حتى نستنير من بركات هذا الارتباط المقدس. وإذا كنا نبتغي النجاح في الدنيا والآخرة، فليتنافَس كل واحد منّا في التفكير بما قدّمه للإمام الحسين عليه السلام في العام الماضي. فيجب علينا في السنة الجارية أن نبذل جهداً أكبر على هذا الطريق المضيء؛ فإذا قدّمنا مالاً فنزد عليه، وإذا شاركنا في مجالس العزاء فنوسّع مشاركتنا، وإذا خدمنا في المواكب فنضاعف الجهد، وإذا دعونا الآخرين للعزاء فلنكن أكثر حماسة في دعوتنا، وإذا جمعنا مالاً فلنسعَ لجمع المزيد، وحتى لو اضطررنا للقرض فلنفعل.

لتقليل الندم بالآخرة

فلنسعَ ألاّ نندم في الآخرة، التي هي (يوم الحسرة)، وكلما عملنا أكثر للإمام الحسين عليه السلام في الدنيا، كان ندمنا أقل. ومن الحكمة أن نعمل في كل مجال نقدر عليه - باللسان أو بالقلم أو بالمواقف أو بتشجيع الآخرين - لتعزيز محبّتنا وخدمتنا للإمام الحسين عليه السلام.

كان المرحوم شيخ محمّد حسين كاشف الغطاء رضوان الله تعالى عليه من كبار مراجع التقليد وخدّام أهل البيت عليهم السلام. كان يقيم الصلاة جماعة في صحن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، وكان يزور كربلاء المقدّسة في أيّام الزيارات، ويقيم الصلاة جماعة في صحن الإمام الحسين عليه السلام، أيضاً. وقد رُوي أنّ أحد القساوسة في بغداد قال له: (أنتم الشيعة تملكون الإمام الحسين عليه السلام، لكنكم لا تعرفون كيف تستفيدون من هذا الكنز العظيم بشكل جيّد، فلو كان الإمام الحسين عليه السلام ملكاً لنا نحن المسيحيين، لما تركنا شبراً من الأرض في هذا العالم دون ذكر اسمه).

سواء صدق ذلك القول أم لا، إلاّ أنّه يدلّ على عظمة ومكانة الإمام الحسين عليه السلام؛ فهو ملك لجميع البشر وللتاريخ، ويجب على كل إنسان أن يعرف أي كنز عظيم يمتلكه.

ضرورة تكثيف الجهود والمعرفة

على كل واحد منّا أن يقيّم نفسه في العام الماضي، ويتفكّر فيما قام به من أعمال لصالح الإمام الحسين عليه السلام، فإذا كان قد ألقى خطباً أو دروساً، فعليه أن يسعى لتحسينها وتفصيلها أكثر، وإذا كان قد درس وتعلّم، فليزداد علماً ومعرفة، وإذا كانت لديه إمكانيات، فليستفد من التقنيات الحديثة والأجهزة الجديدة لجمع ونقل معارف الإمام الحسين عليه السلام بطريقة أسهل وأسرع.

في الشهرين العظيمين، محرّم الحرام وصفر الأحزان، وخاصّة في أيام عاشوراء والأربعين، يجب أن نحرص على زيادة خدماتنا ومحبّتنا للإمام الحسين عليه السلام مقارنة بالعام السابق. وهذا الجهد سيكون ذا نفع كبير وثمرة وفيرة في الدنيا والآخرة.

ونسأل الله عزّ وجلّ أن يفيض علينا بنعمه الخاصّة، وأن يعيننا الإمام الحسين عليه السلام برحمته ولطفه الخاص لنكون أكثر نجاحاً وثباتاً في طريق المحبّة والخدمة له. واخصّ بالدعاء والتوسّل إلى الله تعالى جميع الرجال والنساء الذين يطلبون الخير، وخاصّة الذين يسمعون صوتي. وصلّى الله على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطاهرين.